"دور المغرب التاريخي في تحرير القدس: قصة باب المغاربة

على مدى حقب طويلة، كان المغرب أحد أعظم الإمبراطوريات التي شهدها العالم الإسلامي. في أوج قوته، امتد نفوذه من الأندلس شمالًا إلى عمق الصحراء الكبرى جنوبًا. كان المغرب دولة قوية ومستقلة سياسيًا، وفرض احترامه على الدول الأوروبية التي كانت ترى في هذا الكيان نموذجًا للقوة العسكرية والتنظيم السياسي الفريد، لا سيما باستقلاله عن الخلافة العثمانية التي كانت تسيطر على أغلب العالم الإسلامي آنذاك.

كان للجيش المغربي بصمة لا تُنسى في تحرير المدينة المقدسة، وقد تُوّج هذا الإسهام بتسمية إحدى بوابات القدس بـ"باب المغاربة"، وتخصيص حي "حارة المغاربة" للمجاهدين المغاربة الذين استقروا بجوار المسجد الأقصى. في هذا المقال، نستعرض تفاصيل هذا الفصل التاريخي العظيم الذي يجسد ارتباط المغرب العريق بفلسطين ومقدساتها.

باب المغاربة وحارة المغاربة

كان المغرب محط أنظار العديد من القوى العظمى، بما في ذلك مملكة إنجلترا، التي أرسل ملكها (جون لاكلاند) في عام 1213 ميلادية وفدًا سريًا إلى السلطان محمد الناصر الموحدي، يحمل رسالة يعبر فيها عن استعداده لمبايعته ووضع إنجلترا تحت حمايته، بل والتخلي عن المسيحية واعتناق الإسلام. تعكس هذه الرسالة مدى الهيبة التي كان يتمتع بها المغرب في تلك الفترة، باعتباره قوة عظمى عسكريًا وسياسيًا.

طلب صلاح الدين الأيوبي دعم المغرب لتحرير القدس

في عام 583 هـ (1187 م)، جهّز القائد صلاح الدين الأيوبي جيشًا كبيرًا لتحرير القدس من أيدي الصليبيين الذين سيطروا عليها منذ عام 1099 ميلادية (495 هـ). ورغم قوة الجيش، أدرك صلاح الدين الحاجة إلى تعزيز قواته بمحاربين متمرسين يتميزون بالشجاعة والبسالة، لا سيما أولئك الذين يشتهرون بالقدرة على تحقيق النصر في المعارك الصعبة. 

لذلك، طلب صلاح الدين دعمًا عسكريًا من سلطان المغرب أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي. استجاب السلطان لهذا الطلب بإرسال أسطول بحري مهيب يتكون من 192 سفينة محملة بالجنود، الفرسان، الأسلحة، والمؤن الحربية. كان هذا الجيش المغربي بمثابة القوة الضاربة التي ساعدت على قلب موازين القوى في معركة تحرير القدس.

دور الجيش المغربي في معركة حطين

دور الجيش المغربي في معركة حطين

بدأت معركة تحرير القدس بمعركة "حطين الخالدة"، التي وقعت في منطقة حطين قرب طبرية بفلسطين. كانت هذه المعركة هي نقطة الانطلاق لتحرير المدينة المقدسة. اشتد القتال وحمي الوطيس، وكان للجيش المغربي دور بارز في هذه المعركة. فقد دخل الجنود المغاربة من باب مغلق يُعتبر من أكثر الأبواب تحصينًا في أسوار المدينة، ما ساهم بشكل كبير في كسر دفاعات الصليبيين وتمهيد الطريق لتحرير القدس.

تكريم المغاربة بعد تحرير القدس

بعد تحقيق النصر في معركة حطين، واصل جيش صلاح الدين الزحف نحو القدس، ونجح في تحرير المدينة من الاحتلال الصليبي. ولكي يخلّد دور الجنود المغاربة في هذا النصر العظيم، قرر صلاح الدين الأيوبي تكريمهم بطرق عديدة. فقد أطلق اسم "باب المغاربة" على البوابة التي دخل منها الجيش المغربي إلى المدينة، وهي بوابة لا تزال تحمل هذا الاسم حتى اليوم.

لم يتوقف التكريم عند هذا الحد، بل خصص صلاح الدين منطقة مجاورة للمسجد الأقصى لإقامة الجنود المغاربة وعائلاتهم. سُميت هذه المنطقة بـ"حارة المغاربة"، وأصبحت موطنًا للمغاربة الذين استقروا في القدس بعد التحرير. كما اختار صلاح الدين هذه المنطقة تحديدًا لمكانتها الدينية، حيث أنها تضم "ساحة البراق"، الموقع الذي يُعتقد أن النبي محمد ﷺ ربط فيه دابته البراق ليلة الإسراء والمعراج.

قال صلاح الدين عن الجنود المغاربة

قال صلاح الدين عن الجنود المغاربة:  

كما قال أيضًا:  

"المغاربة قوم لا نؤتى من قبلهم."

حارة المغاربة ووقفها الأبدي

استمر التكريم للمغاربة في القدس بعد وفاة صلاح الدين. قام ابنه الأكبر، السلطان الأفضل الأيوبي، بجعل حارة المغاربة وقفًا أبديًا على أهل المغرب. نص هذا الوقف على أن الحارة لا تُباع ولا تُشترى، وتظل مخصصة للمغاربة إلى يوم الدين. 

بلغت مساحة حارة المغاربة حوالي 145 ألف متر مربع، وضمت 135 مبنى، بما في ذلك المنازل، المدارس، الزوايا، والمساجد. لعبت هذه المؤسسات دورًا بارزًا في الحركة العلمية والدينية في القدس خلال العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية.

إرث المغاربة في فلسطين

رغم محاولات الاحتلال الإسرائيلي طمس معالم حارة المغاربة بعد احتلال القدس في عام 1967، إلا أن التاريخ لا يزال شاهدًا على هذا الإرث العظيم. بقيت بعض العائلات الفلسطينية تحمل أصولًا مغربية وتعيش في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. من أبرز العائلات المغربية في فلسطين:  

- عائلة المصلوحي: نسبة إلى قرية تمصلوحت قرب مراكش.  

- عائلة العلمي: نسبة إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش العلمي دفين جبل العلم شمال المغرب.  

- عائلة السوسي: نسبة إلى أهل سوس العالمة جنوب المغرب.  

- عائلة الريفي: نسبة إلى منطقة الريف شمال المغرب.  

- عائلة الفيكيكي: نسبة إلى مدينة فكيك شرق المغرب.  

باب المغاربة ودلالته التاريخية

يمثل باب المغاربة في القدس رمزًا خالدًا يربط بين تاريخ المغرب والأرض المقدسة. لا يقتصر دوره على كونه بوابة تاريخية، بل يعكس أيضًا عمق الروابط الدينية والثقافية بين المغاربة وفلسطين. تسميته بهذا الاسم تعكس اعترافًا بدور المغرب في تحرير القدس، ودليلًا على التضحيات التي قدمها الجنود المغاربة في سبيل الدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية.

الخاتمة

لقد كان دور المغرب في تحرير القدس علامة فارقة في التاريخ الإسلامي. ساهمت الشجاعة والبسالة التي أظهرها الجنود المغاربة في تحقيق النصر العظيم بقيادة صلاح الدين الأيوبي. يظل باب المغاربة وحارة المغاربة شاهدين على هذا الدور البطولي الذي يعكس حب المغاربة للمقدسات الإسلامية واستعدادهم للتضحية في سبيلها.

رغم الاحتلال والتحديات، يظل ارتباط المغاربة بالقدس رمزًا للصمود والإرث التاريخي المشترك بين الشعبين الفلسطيني والمغربي. إن هذا التاريخ المجيد يستحق أن يُحكى للأجيال القادمة، ليبقى مصدر إلهام للفخر والتضامن بين الشعوب الإسلامية.

الأسئلة الشائعة

1. ما هو باب المغاربة؟  

باب المغاربة هو إحدى بوابات القدس التاريخية، سُمي بهذا الاسم تكريمًا للجنود المغاربة الذين شاركوا في تحرير المدينة بقيادة صلاح الدين الأيوبي.

2. ما هي حارة المغاربة؟

حارة المغاربة هي حي تاريخي في القدس أُقيم بجوار المسجد الأقصى، خصصه صلاح الدين الأيوبي للجنود المغاربة الذين شاركوا في تحرير القدس.

3. ما هي أهمية دور المغرب في تحرير القدس؟  

كان للجيش المغربي دور حاسم في معركة حطين وتحرير القدس، حيث ساهمت شجاعتهم في كسر حصون الصليبيين وتمهيد الطريق للنصر.

4. هل لا تزال حارة المغاربة موجودة؟ 

رغم تدمير الاحتلال الإسرائيلي لجزء كبير من حارة المغاربة بعد احتلال القدس في عام 1967، لا يزال التاريخ شاهدًا على وجودها ودورها.

5. ما هي أبرز العائلات المغربية في فلسطين؟  

من أبرز العائلات المغربية في فلسطين: عائلة المصلوحي، العلمي، السوسي، الريفي، والفيكيكي.

تعليقات