معركة وادي المخازن: انتصار ساحق للمغاربة في معركة تاريخية لا تنسى

في قلب تاريخ المغرب، تبرز معركة وادي المخازن كواحدة من أعظم المعارك التي شهدتها الساحة المغربية والعالمية. إنها معركة الملوك الثلاث التي جمعت بين قوات الجيش البرتغالي بقيادة الملك سباستيان والجيش المغربي تحت قيادة السلطان عبد الملك وسلطان احمد المنصور. هذه المعركة لم تكن مجرد صراع عسكري، بل كانت لحظة فارقة في تاريخ المغرب، حيث تحددت فيها مصير الأمة المغربية ومستقبلها.

ما الذي حدث في تلك اللحظات الحاسمة؟ كيف استطاع الجيش المغربي، رغم الفارق الكبير في العدد العدة، أن يحقق انتصارًا ساحقًا؟ وما هي الأسرار والخفايا التي جعلت معركة وادي المخازن محط أنظار العالم؟ في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل المعركة، نستعرض أحداثها البطولية، ونكشف عن التضحيات العظيمة التي قدمها المغاربة في سبيل الدفاع عن وطنهم وشرفهم.

ملاحضة:

إذا كنت متشوقًا لمعرفة المزيد عن معركة وادي المخازن وتفاصيلها المثيرة، فلا بد لك من متابعة (الجزء الاول) من هذه القصة الملحمية لمعرفة مجريات هذه المعركة من الاول حتى تكون ملم بكل احداتها. والاَن دعونا نغوص في تفاصيل هذا الجزء الحاسم والمثير.

اللقاء بين الجيشين البرتغالي والمغربي

في صباح اليوم 4 من أغسطس، التقى الجيشان وبدون إرسال الكشافة إلى الأمام تفاجأ الجيش البرتغالي من الأعداد الكبيرة لسلاح الفرسان والمشاة المغاربة. وعلى وجه السرعة قرر الملك سباستيان بأن الخيار التكتيكي الوحيد لقوته التي يبلغ قوامها 23 ألف جندي هو أن تتشكل في مربع دفاعي واسع.

 وفي الوسط تم تشكيل 4 خطوط من العربات في شكل مربع كحصن لحماية أتباع المعسكر، وعلى مقدمتهم تمركز سباستيان، وشكلت الكتائب البرتغالية أطراف المربع والجزء الخلفي منه، بالإضافة إلى وحدات من سلاح الفرسان التي شكلت الأجنحة، ومن بينها وحدة محمد المتوكل.

تشكيل الجيش البرتغالي

كانت مقدمة المربع قوة هائلة متشكلة من الرومانيين المرتزقة القادمين من إيطاليا وألمانيا وغيرهم من المتطوعين، والذين كانوا مدربين على إطلاق النار وإعادة التحميل خلف جدار من المشاة الألمان المسلحين بالرماح الطويلة. 

وفي مقدمة الجيش البرتغالي تمركزت نخبة سلاح الفرسان مع وحدات من المشاة القشتالية، وأخيرًا وضع سباستيان سلسلة من المدافع في المقدمة. وعلى الرغم من أن جيش سباستيان كان أقل عددًا، إلا أنه كان مجهزًا بشكل أفضل وأكثر تطورًا من الناحية التكنولوجية.

تشكيل الجيش المغربي

وعلى الجانب الآخر من الميدان، تشكل الجيش المغربي الذي يبلغ قوامه 50 ألف جندي على شكل "هلال". وفي مقدمة الجيش وضع عبد الملك سلسلة من المدافع على شكل هلال، ومن خلفهم تمركز المشاة الرومانيون في ثلاث خطوط. وعلى الأجنحة تمركزت كتائب من الفرسان. أما عبد الملك فتمركز في قلب الجيش المغربي محاطًا بعدة وحدات من المشاة الرومانيين، وعلى يمينه ويساره 4 كتائب من الفرسان، بالإضافة إلى مجموعة من الفرسان التي شكلت كتائب فرسان احتياطية في مؤخرة الجيش.

خطاب السلطان عبد الملك

بمعرفته أن الصليبيين كانوا أكثر تجهيزًا، قام السلطان عبد الملك بتحفيز رجاله قائلاً:

مع ارتفاع معنوياتهم، بدأ الجنود المغاربة يهتفون باسم عبد الملك. لكن لم يكن أحد يعرف سر السلطان، فقد كان بين الحياة والموت. كان عبد الملك مريضًا واشتد عليه المرض بسبب قيادته للخيل لعدة كيلومترات في مسيرة اضطرارية من مراكش للوصول إلى ساحة المعركة. فقط أخو السلطان وطبيبه اليهودي المخلص كانا يعرفان الثمن الذي سيدفعه عبد الملك جراء قيامه بهذه الرحلة.

تحديات في مواجهة الجيش المغربي

رغم إصرار طبيبه اليهودي وأخوه أحمد المنصور على الراحة، إلا أن عبد الملك رفض أن يبقى في خيمته. فقد أصر على ألا يعلم أحد بحالته الصحية من أجل الحفاظ على معنويات الجيش وقرر أن يحارب مع رجاله، بمعرفته أنه لن يستمر في الحياة بعد هذه المعركة.

معركة حاسمة

بدأت مدفعيات الجيشين تقصف بكامل قوتها. ثم قبل ساعة من الظهر، ركع الجيش الصليبي برمته كجسد واحد في صلاة أخيرة. واندفع سلاح الفرسان البرتغالي نحو الجيش المغربي بأمر من الملك سباستيان، تلاه فوج المشاة القشتالي.

الهجوم الصليبي

وبالرغم من نقصه العددي، قرر الملك سباستيان أن يستعمل أفضل قواته لكي يهجم بشكل حاسم ويتجنب هيمنة العدو. بينما اهتزت الأرض تحت حوافر سلاح الفرسان الصليبيين، أطلق المحاربون المغاربة النار. وعلى الرغم من أن وابل الرصاص كان فعالًا، إلا أن فترة الشحن الطويلة سمحت لقوات سباستيان بإغلاق المسافة بينهما.

القتال في قلب الجيش المغربي

اخترق الصليبيون قلب الجيش المغربي وتم تدمير الصفوف الأمامية على الفور. لم يفلح الخط الثاني أيضًا في السيطرة على الهجوم الصليبي، فتم دفعه إلى الخلف. وانضمت المشاة القشتالية إلى القتال، فأصبح القلب المغربي في حالة ارتباك. اندفع عبد الملك إلى الأمام مع حراسه الشخصيين لمنع تعثر الخط الثاني، مشيرًا إلى الخط الثالث لتعزيز المقدمة.

الرد المغربي :لحضات تحبس الأنفاس

كان المغاربة على وشك الانهيار في أي لحظة بسبب شراسة هجوم الفرسان الصليبيين ونجاحهم في اختراق قلب الجيش المغربي. وعلى وجه السرعة، رد عبد الملك مع فوج من حراسه الشخصيين بهجوم مضاد مع دعم من المشاة في الخط الثالث. نجح المغاربة في صد تقدم الفرسان الصليبيين. الآن، مع رؤية عبد الملك أن أفضل قوات سباستيان كانت منغمسة في القتال مع مركز الجيش المغربي، أشار السلطان إلى أخيه أحمد المنصور.

التطورات في المعركة

ما هي إلا لحظات حتى ظهرت مجموعة ضخمة من الفرسان خلف التلال بقيادة أحمد المنصور، مما توقف زخم الفرسان الصليبيين. حيث أصبح الوضع خطيرًا مع تقدم ما يقارب 20 ألفًا من الفرسان المغاربة. حاولت قوات النخبة المسيحية المقاومة والقتال لكي تعود إلى الخط الرئيسي من أجل الإفلات من مصيدة عبد الملك، مدركين أن اندفاعهم إلى الأمام كان بلا جدوى.

الطوق المغربي للجيش البرتغالي

أمر السلطان قوات المشاة بتطويق الفرسان الصليبيين، واندفع مع حراسه الشخصيين وأخيه أحمد المنصور متجهين نحو قلب الجيش البرتغالي مع الفرسان المغاربة. شجع سباستيان وضباطه الرجال، حيث كان يعلم أنها ستكون معركة إلى الموت. في نفس الوقت، تم سحق معظم المشاة من النخبة القشتالية في طليعة الجيش الصليبي. أما الفرسان البرتغاليين فحاولوا الانسحاب، وأصبح وضعهم يائسًا بشكل متزايد مع هجوم القوات المغربية من كل الجهات.

هجوم سباستيان الجريء

قرر سباستيان الرد من خلال شن هجوم بسلاح الفرسان. قاد سباستيان قواته والنبلاء بالإضافة إلى فرقة الفرسان التابعة للسلطان المخلوع "محمد المتوكل" نحو راية عبد الملك مباشرة من أجل قتل السلطان وحسم المعركة لصالحه. اصطدمت وحدات سباستيان بوحدات عبد الملك، واندلعت معركة حامية الوطيس بين الطرفين.

سقوط عبد الملك 

سمح هذا الهجوم الشرس لحاشية سباستيان بالوصول إلى السلطان عبد الملك، الذي استخدم آخر ذرة من قوته لسحب سيفه والانضمام إلى القتال رغم المرض. تم تبادل الضربات يمينًا وشمالًا، فقد كان مصير المغرب على المحك. بدأ الجنود المغاربة في السقوط حول السلطان واحدًا تلو الآخر، لكن الحراس الشخصيين لعبد الملك تماسكوا وتمكنوا من التجمع حول سلطانهم. أما عبد الملك فاستمر في القتال وكان البطل الذي احتاجه شعبه، رغم أنه كان على وشك الانهيار بسبب المرض.

القتال حتى لنهاية

كانت معجزة كبيرة أنه كان قادرًا على القتال ولعب دورًا فعالًا في المعركة رغم المرض الذي كان ينخر جسده. وكانت ثيابه تخفي حقيقة أنه كان مربوطًا على سرجه فوق الحصان، ولولا هذا لما كان قادرًا على القتال. بعد لحظات، ومع استمرار المعركة، أغلق السلطان عبد الملك عينيه وانهار فوق حصانه. أخذ إلى خيمته حيث سيلفظ أنفاسه الأخيرة.

نهاية المعركة

أما هجوم سباستيان الجريء فتم سحقه. وعلى مدار الساعات القليلة التالية، بدأت أفواج من فرسان عبد الملك في تطويق المربع البرتغالي وإطلاق النيران عليهم بشكل مستمر.

البرتوغاليون يقاومون حتى النهاية

خاض البرتغاليون معركة شجاعة، حيث تمسك الجنود وأطلقوا النار على الفرسان المغاربة. واستشهد ما يقارب 7 آلاف جندي مغربي. لكن مع مرور الساعات، تضائلت أعدادهم وجفت ذخيرتهم. شهد سباستيان وهو يقاتل، وعلى الرغم من إصابته، استمر في القتال وإلهام رجاله ليتماسكوا. وفي مرحلة ما من المعركة، سقط سباستيان أخيرًا أثناء القتال.

النتيجة النهائية والفوز الساحق المغاربة

عند الغسق، مات ما يقارب 8 آلاف جندي مسيحي في ميدان المعركة، بما في ذلك السلطان السابق "محمد المتوكل" الذي توفي أثناء القتال. تم القبض على 15 ألف جندي صليبي، وتمكن أقل من مئة منهم من الفرار من المذبحة. سقط ثلاث ملوك في هذه المعركة، والتي انتهت بفوز ساحق للمغاربة.

الأسئلة الشائعة

ما هي معركة وادي المخازن؟

معركة وادي المخازن هي معركة تاريخية وقعت في 4 أغسطس 1578 بين الجيش المغربي بقيادة السلطان عبد الملك والجيش البرتغالي بقيادة الملك سباستيان، وانتهت بانتصار ساحق للمغاربة.

لماذا تُعرف معركة وادي المخازن بمعركة الملوك الثلاثة؟

سميت بهذا الاسم لأن ثلاثة ملوك لقوا حتفهم فيها: السلطان عبد الملك، الملك سباستيان، والسلطان المخلوع محمد المتوكل.

ما هو تأثير معركة وادي المخازن على المغرب؟

عززت المعركة استقلال المغرب وكرسته كقوة إقليمية، كما أعادت الهيبة للدولة المغربية في مواجهة القوى الاستعمارية.

كيف ساهم السلطان عبد الملك في انتصار المعركة رغم مرضه؟

قاد السلطان عبد الملك المعركة بشجاعة وإصرار رغم مرضه الشديد، وحرص على رفع معنويات الجيش المغربي حتى لحظاته الأخيرة.

ما هي العوامل التي أدت إلى هزيمة الجيش البرتغالي؟

من أبرز العوامل: التشكيل الاستراتيجي للجيش المغربي، حماس الجنود المغاربة، وتخطيط السلطان عبد الملك وأخيه أحمد المنصور، بالإضافة إلى أخطاء تكتيكية ارتكبها الملك سباستيان.

خاتمة

معركة وادي المخازن ليست مجرد حدث عابر في تاريخ المغرب، بل هي رمز للشجاعة والتضحية والوحدة الوطنية. أظهرت هذه المعركة للعالم قوة المغرب وعزيمته في الدفاع عن أرضه وهويته. إنها تذكرنا بأن النصر لا يتحقق فقط بالسلاح، بل بالإيمان بالقضية والالتزام بالمبادئ. معركة الملوك الثلاث ستظل محفورة في ذاكرة المغاربة كواحدة من أعظم اللحظات التي تجسد العزة والكرامة.

إذا كنت تتساءل عن الأحداث المثيرة التي قادت إلى هذه اللحظة الحاسمة، فلا تفوت قراءة الجزء السابق بعنوان:

"معركة وادي المخازن: اعضم ملحمة التي خاضها المغاربة على مر تاريخ"

ستكتشف هناك تفاصيل مذهلة عن الكواليس السياسية والتحالفات المعقدة التي أشعلت فتيل هذه المعركة الأسطورية.
تعليقات