كانت "معركة بوغافر" واحدة من أبرز المحطات في سجل المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي، وتجسيدًا للبطولة والشجاعة التي أظهرها الأمازيغ المغاربة في الدفاع عن أراضيهم وحريتهم. بقيادة القائد الأسطوري "عسو أوبسلام"، سجلت هذه الملحمة فصولًا من التضحية والفداء، لتصبح رمزًا خالدًا في ذاكرة الوطن.
![]() |
هل سمعت عن معركة بوغافر؟ المعركة التي سُحِق فيها الجيش الفرنسي على ايادي الأمازيغ بقيادة عسو ابوسلام بين جبال الاطلس ؟ |
السياق التاريخي لمعركة بوغافر
فرض معاهدة الحماية وبداية المقاومة
بعد توقيع معاهدة الحماية الفرنسية على المغرب عام 1912، لم يقبل الشعب المغربي بسيطرة المستعمر على أراضيه. بدأت حركات المقاومة المسلحة في مختلف مناطق المغرب، خاصة في منطقة "جبل صاغرو" في الجنوب الشرقي.
جبال الأطلس: معقل المقاومة الأمازيغية
تعد منطقة الأطلس الكبير رمزًا للصمود، حيث استفادت قبائل "آيت عطا" من تضاريسها الوعرة لشن مقاومة شرسة ضد الفرنسيين. مثلت الجبال ملاذًا حصينًا لمقاتلي المقاومة الذين واجهوا جيشًا مجهزًا بأحدث الأسلحة.
مراحل معركة بوغافر
مرت معركة بوغافر بثلاث مراحل رئيسية، شكلت محطات هامة في تاريخ المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي. وتتميز كل مرحلة منها بتطورات استراتيجية ومعارك دامية، مما يعكس القوة والإصرار الذي أظهرته المقاومة المغربية بقيادة القائد عسو أوبسلام.
المرحلة الأولى: يناير 1933 – الهجوم المباغت
تميزت هذه المرحلة بالنهج الحربي العصابي الذي اعتمده القائد عسو أوبسلام. حيث شن المقاومون هجومًا مفاجئًا على القوات الفرنسية، مستهدفين مواقعها العسكرية ومراكز الضباط وقطع خطوط الإمداد. وقد أشار أحد قادة الجيش الفرنسي إلى تأثير هذه الهجمات قائلاً: "عسو أوبسلام وأتباعه لم يتوقفوا عن مهاجمتنا، ففي شهر يناير 1933 وحده، خسرنا أربعة من أفضل ضباطنا، بالإضافة إلى مئات الجرحى، تمكن المهاجمون من الاستيلاء على غنائم قيّمة، شملت البهائم المحملة بالأسلحة والمواد الغذائية". كانت هذه الهجمات بمثابة صفعة قوية للجيش الفرنسي وأثبتت فاعلية أسلوب حرب العصابات الذي اعتمده المقاومون.
المرحلة الثانية: 12 فبراير – 1 مارس 1933 – المعارك الصغيرة والمقاومة الشديدة
في هذه المرحلة، حشد المستعمرون قوات ضخمة تحت قيادة الجنرال (كاترو) من الجنوب والجنرال (جيرو) من الشرق، مع تعزيزات من حركات توغدى، ودادس، ودرعة. كانت هذه الفترة مليئة بالمعارك الصغيرة التي نشبت في عدة مواقع مثل سيدي فلاح، تيزي تندات، وأوملال، حيث كانت القوات الفرنسية تحاول فرض سيطرتها على المنطقة. لكن المقاومين كانوا يتعاملون بذكاء مع التضاريس الوعرة ويستغلونها لصالحهم.
في يوم 28 فبراير 1933، أظهر المقاومون براعة في الحرب، حيث تمكنوا من إلحاق خسائر كبيرة بالقوات "الغازية". ووصف الطبيب العسكري جون فيال القتال قائلاً: "المقاومون يدافعون بكل قوتهم، مختبئين وراء الصخور والكهوف، يطلقون النار بشكل مستمر، ويحصدون جنودنا". ورغم تزويد المقاومة بأسلحة قديمة، فإنهم استطاعوا الاستفادة من الأسلحة الحديثة التي حصلوا عليها عبر عمليات غزوات لانتزاع الأسلحة من القوات الفرنسية. وقد شملت هذه العمليات الهجومية عملية "تيزي نتدارت" التي أسفرت عن الاستيلاء على قافلة من الأسلحة بعد القضاء على حراسها.
المرحلة الثالثة: 1 مارس – 21 مارس 1933 – الحصار والنهاية
في هذه المرحلة، بدأ الجيش الفرنسي في تكثيف الضغط على قبائل آيت عطا عبر حصار شامل تضمن قصفًا جويًا واستخدام أساليب قمع وحشية. كانت الأساليب الفرنسية تهدف إلى تجويع السكان وتدمير مصدر رزقهم الأساسي المتمثل في الماشية. وتعد قنبلة عيون المياه من أبرز الجرائم التي ارتكبت ضد المقاومين، ما دفعهم إلى الارتفاع إلى قمم جبل صاغرو للحفاظ على قوتهم.
ورغم استخدام القوات الفرنسية للأسلحة المتطورة والطائرات، إلا أن المقاومة استمرت بشراسة. وفي 21 مارس 1933، تم قتل الجنرال الفرنسي (بورنازيل) وعدد من الضباط الفرنسيين، مما دفع القوات الفرنسية إلى تغيير استراتيجيتها. بعد 22 يومًا من القتال المستمر، تم التوصل إلى هدنة بين قبائل آيت عطا والجيش الفرنسي، حيث بدأ مفاوضات الاستسلام.
التفاوض على الاستسلام: 24 مارس 1933
في 24 مارس 1933، وقع اتفاق بين المقاومين والجيش الفرنسي بعد نقاش طويل داخل معسكرات المقاومة حول مسألة الاستسلام. وقد فضل أغلب السكان استسلامًا يضمن إنقاذ النساء والأطفال. تم توقيع الاتفاقية التي تضمنت بنودًا لصالح المقاومين، منها:
1. الاستسلام للمخزن المغربي.
2. إبعاد سلطة الكلاوي عن أراضي آيت عطا.
3. إبقاء الأسلحة في أيدي السكان.
4. عدم إجبار السكان على العمل بالسخرة.
5. عدم استدعاء النساء للغناء في الحفلات الرسمية.
لكن من اللافت أن النساء اللواتي وقعوا الاتفاقية باسمهن كانوا أول من رفض الاستسلام، حيث واجهن المستسلمين بعاصفة من الاستياء وصحن في وجههم قائلين:
"عار عليكم، أنتم لستم رجالا مادامتم ستصبحون عبيدًا للنصارى".
أحداث معركة بوغافر
انطلاق المواجهات في جبل صاغرو
مع تصاعد التوترات، بدأت المواجهات بين المقاومة بقيادة عسو أوبسلام والقوات الفرنسية. استغل المقاومون الطبيعة الوعرة لجبل صاغرو لصالحهم، مما جعل الفرنسيين يعانون من خسائر فادحة.
حصار جبل بوغافر
مع استمرار المقاومة، حاصرت القوات الفرنسية المقاومين في جبل بوغافر. لجأت فرنسا إلى استخدام المدفعية والطيران لتنفيذ قصف عنيف استهدف المقاتلين والمدنيين على حد سواء.
مقتل هنري دي بورنازل
كانت من بين أبرز الخسائر الفرنسية إصابة "هنري دي بورنازل"، أحد أشهر الضباط الفرنسيين، برصاصة أطلقها أحد مقاتلي آيت عطا. شكل هذا الحدث صدمة كبيرة للقوات الفرنسية.
نتائج المعركة
الخسائر البشرية والمادية
- تكبدت القوات الفرنسية خسائر جسيمة بلغت "3500 رجل" بينهم 10 ضباط.
- في المقابل، بلغ عدد الشهداء من المقاومة المغربية حوالي "1300 شخص"، بينهم نساء وأطفال وكبار سن.
شروط الاستسلام المشرفة
بعد "42 يومًا" من القتال المستميت، قرر عسو أوبسلام حماية شعبه من الإبادة بقبول التفاوض مع الفرنسيين. كانت شروطه تضمن الحفاظ على كرامة القبيلة وسلامة المدنيين.
من هو عسو أوبسلام؟
الاسم والنشأة
ولد "عسو أوبسلام"، واسمه الحقيقي "عيسى أو علي نايت بسلام"، عام 1890 في قبيلة إميلشان. خلف والده عام 1919 ليصبح "أمغارًا" (زعيمًا) للقبيلة، حيث عرف بشجاعته وحنكته العسكرية.
القائد والمحارب
تميز عسو أوبسلام بقدراته القيادية منذ صغره، وكان له دور بارز في مواصلة شعلة المقاومة الأمازيغية بعد الهزيمة النهائية للمقاوم "موحى أو حمو الزياني".
موقفه الحازم تجاه الفرنسيين
عندما حاول الفرنسيون التفاوض معه عبر رسالة تهدف إلى إنهاء الصراع، رد عسو أوبسلام بجملة شهيرة باللغة الأمازيغية:
عسو أوبسلام بعد المعركة
لحياة بعد الاستقلال
بعد استقلال المغرب، ظل عسو أوبسلام رمزًا وطنيًا. دعا الملك "محمد الخامس" القائد البطل إلى الرباط لحضور حفل العهد، تأكيدًا على الثقة المتبادلة بين القيادة والشعب.
وفاته والإرث الذي تركه
توفي عسو أوبسلام في "16 أغسطس 1960"، ودفن في مكان أصبح اليوم مقصدًا للزوار، حيث يأتي الناس لتكريم ذكراه واستلهام معاني البطولة من حياته.
دروس من معركة بوغافر
- الصمود والوحدة: أظهرت المعركة أهمية التكاتف بين القبائل في مواجهة التحديات.
- استغلال الطبيعة: أبدع المقاومون في استخدام البيئة الجبلية لصالحهم ضد جيش حديث.
- الكرامة فوق كل شيء: رغم قلة الإمكانيات، واجه المقاومون المستعمر بشجاعة دفاعًا عن كرامتهم وحريتهم.
الأسئلة شائعة:
1. ما هي معركة بوغافر؟
2. ما هي الخسائر التي تكبدتها القوات الفرنسية في معركة بوغافر؟
خسرت القوات الفرنسية أكثر من 3500 جندي، بما في ذلك 10 ضباط، في معركة بوغافر ضد مقاتلي قبيلة آيت عطا.
3. من هو عسو اوبسلام؟
عسو اوبسلام هو أحد القادة العسكريين البارزين في تاريخ المغرب، قاد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي في منطقة جبل صاغرو.
4. ماذا كانت الشروط التي وضعها عسو اوبسلام بعد معركة بوغافر؟
بعد معركة بوغافر، وضع عسو اوبسلام شروطًا لضمان سلامة شعبه، بما في ذلك عدم تدخل القوات الفرنسية في شؤون القبائل المغربية.
5. ما هي أهمية معركة بوغافر في التاريخ المغربي؟
تعتبر معركة بوغافر حدثًا محوريًا في تاريخ المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي، وأثبتت قدرة الشعب المغربي على مقاومة الاحتلال بكل الوسائل.
الخلاصة
كانت معركة بوغافر، بكل مراحلها، واحدة من أبرز صفحات المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي. على الرغم من التضحيات الهائلة التي تكبدتها المقاومة، فإنها أظهرت قوة عزيمة الشعب المغربي واستعدادهم للدفاع عن أرضهم وكرامتهم بكل ما أوتوا من قوة.